Accéder au contenu principal

دروس الجمهورية القرطاجية

الجمهوريّة كلمة مهمة في التاريخ التونسي، كيف لا وقد ظهرت أول دولة في التاريخ بهذا الوصف في قرطاج و حققت مجدا لا يضاهى، بالإضافة لإقتصادها الرأسمالي المثير للإعجاب ! لقد كانت هذه الجمهورية لاعبا مهما في البحر المتوسط وكان التوجه السياسي حديثا و عالميا إلى درجة تذكرنا بما نسميه اليوم بالعولمة (من خلال التبادل الثقافي الذي كان الأوّل من نوعه في التاريخ). إنهارت هذه الجمهورية على يد جمهوريّة أخرى ذات نزعة إمبريالية (متوقعة في ذلك العصر) ولذلك لا يمكن أن نتهم النظام الجمهوري بالفشل في قرطاج لأن الفشل كان عسكريا، ولأن الرومان لم ينسوا أبدا هزائمهم النكراء أمام حنبعل مما جعل إنتقامهم وحشيا.
من المتوقع أن نطرح مجموعة من الأسئلة في هذا الصدد، وهي باختصار:
                     لماذا الحديث عن الجمهورية، قرطاج، والجمهورية القرطاجية الآن ؟
                     ماهي الدروس التي يجب أن نستخرجها من التاريخ القرطاجي لتونس ؟
                     ماهي حدود التحليل للتاريخ القرطاجي مقارنة بالوضع المعاصر ؟
المشكلة الكبرى في دراسة تلك الفترة هي قلة الموارد، خاصة بسبب الدمار الهائل الذي أنزله الرومان بقرطاج إثر الحرب البونية الثالثة التي كان هدفها أن تمسح الحضارة القرطاجية من الوجود تاريخا و جغرافيا. كل ما نعرفه عن قرطاج اليوم هو ما نقله المؤرخون الرومان في كتاباتهم المنحازة إلى روما، و بدرجة أقل ما نقله المؤرخون الإغريق و الذي كان أكثر موضوعية، رغم أن اليونانيين كانوا يعتبرون الشعوب الأخرى مجرد برابرة. رغم كل ذلك تناقل المؤرخون إشارات كثيرة حول عظمة قرطاج خاصة بسبب الحرب البونية الثانية التي أظهرت عبقرية القائد العسكري الشاب حنبعل برقا. فقد  أعلن ماركوس پومپونيوس في  روما إثر معركة بحيرة ترازيمنوس Trasimene الشهيرة  سنة 217 ق.م.  بالقول : لقد إنهزمنا في معركة عظيمة! ولمن لا يعرف فقد كانت تلك المعركة قد جمعت قوات حنبعل بالجيش الروماني في عقر داره بل إنه من المهم أن نشير إلى التفوق الإستراتيجي لجيش حنبعل أمام الرومان رغم تفوقهم العددي كما شهدت على ذلك معركة كانيي Cannae سنة 216 ق.م.
منذ سقوط قرطاج المدوي بيد الرومان سنة 146 ق.م. إختفى النظام الجمهوري لتصبح تونس مجرد مستعمرة ثم مملكة ولم يعد مشروع الجمهورية للظهور إلا مع إقتلاع إستقلال البلاد من الفرنسيين. ولكن للأسف الشديد ظلّ الأمر مجرد مشروع مع الإستبداد "النظيف" من طرف بورقيبة و نظيره المافياوي الذي ميز الحكم العائلي في فترة بن علي. باختصار، لم تتمكن تونس من إقامة نظام جمهوري حقيقي طيلة 2157 عاما، و هذه هي العصور المظلمة في السياسة التونسية.
لا يمكن أن نستشف من التجربة الجمهورية القرطاجية كل العبر، فإن كان التاريخ القرطاجي يجعلنا نعتقد أن الكارثة كانت ذات مصدر خارجي، فلابدّ من التعمّق أكثر لفهم تلك المرحلة خاصة مع قلّة المصادر الموضوعية. لكن تجربة الجمهورية التي تزامنت مع أوج المجد و الإقتصاد وربما الثقافة، في هذه المرحلة الفريدة، تجعلنا نفكّرفي إمكانية إرتباط النظام الجمهوري بالتقدم. ربما كانت مواصفات الجمهوريّة الحديثة مختلفة عن تلك المرحلة، وترتبط أساسا بالديمقراطية الحديثة، ولكن الأساس هو المشاركة ورفض الإستبداد، ومن هنا ولد مصطلح الجمهورية Republic  من الأصل اللاتيني Res Publica الذي يمكن ترجمته إلى "مسألة شعبية أو عامّة".
الجمهوريّة هي تحويل الدولة من إله متجبّر إلى ملكية عامة يشارك المواطنون في بنائها، و في العصر الحديث توجد آلاف النظريات الممكنة للبناء ممّا يجعل الديمقراطيّة خيارًا لا بديل له. اليوم، ونحن نفكر في إعادة بناء بلادنا بعد سنوات من الإستبداد و النهب، لا بد لنا من نظام يحارب هاتين الآفتين وغيرهما مثل الفساد الإداري و مركزية السياسة و الهيمنة الجهوية وما إلى ذلك، وهذا هو مشروع الجمهورية الذي هو أساس الديمقراطية. وما لم نبن جمهورية ذات مؤسسات رفيعة فلن نبلغ أي مستوى من التحظّر الذي نصبو إليه.

5 أوت 2011

Commentaires

Marouen a dit…
شكرا لتسليط الضوء على هذه الفترة العظيمة والناصعة من تاريخ تونس. لقد كانت لقرطاج وكثير من رجالها درجة من الرقي الفكري والأخلاقي ما يثير الإعجاب حقا.

Posts les plus consultés de ce blog

GNS3 on Manjaro/Arch Linux: How to create virbr0 for NAT to work

Problem: You can't add a NAT connection to your GNS3 simulation, and you get the error : "ERROR template_manager:226 Error while creating node from template: NAT interface virbr0 is missing, please install libvirt" Steps to resolve: 1- Create a file named /tmp/default.xml 2- Paste this content and save: <network>   <name>default</name>   <bridge name="virbr0"/>   <forward mode="nat"/>   <ip address="192.168.123.1" netmask="255.255.255.0">     <dhcp>       <range start="192.168.123.2" end="192.168.123.254"/>     </dhcp>   </ip> </network> 3- Execute the following commands in your shell : virsh net-define /tmp/default.xml sudo virsh net-start default sudo virsh net-autostart default  

AutoWG: a simple Bash script to connect two devices with Wireguard

 I made today a quite simple BASH script that allows to connect two devices running Wireguard (tested with Debian Linux 12, but should work with any device) You can check it out (and fork it if you want) in this Gitlab Page This is the source code as of now, but I could modify it later (any suggestions are welcome) : #!/bin/bash # # AUTOWG written by Hamdi KADRI  # No copyright in any form or kind # This script is intended to create configurations for  # a point-to-point Wireguard connection between a server # and a client (/30 network) # # Step zero: declare configurations as variables servercfg="[Interface] Address = <serverwgIP> SaveConfig = true ListenPort = <port> PrivateKey = <server-privatekey> [Peer] PublicKey = <client-pubkey> AllowedIPs = <clientwgIP> " clientcfg="[Interface] PrivateKey = <client-privatekey> Address = <clientwgIP> [Peer] PublicKey = <server-pubkey> AllowedIPs = 0.0.0.0/0 EndPoint = <serverIP>

وهم القوميّة العربيّة

لا أعرف لماذا لا يجد أغلب الناس في وطننا حلولا أو إمكانيّات خارج عبادة الأشخاص والبطولات المفترضة في ما إنقضى من التاريخ . ربّما هي حالة مرضيّة أصابت الوعي العربي ـ الذي لا يمكن إعتباره في العمل السياسي سوى لا وعي ـ ولكن توجد أيضا أسباب أخرى . طبعا هذه الحالة ليست وصفا للمتزمتين الدينيين فحسب، فقد تحدثت عنهم بما يكفي، ولكن يتعلّق الأمر بالمتزمتين السياسيين أيضا، خاصة القوميين والشيوعيين منهم . أما الشيوعيون فقد كانت الإجابة لهم واضحة في العشرين سنة الماضية بانهيار جدار برلين والإمبراطوريّة السوفياتيّة سيئة الذكر التي تفخر بأنها قتلت من أبنائها أكثر ممن قتلت من أعدائها. ولا شيء يعبّر عن وضع الشيوعيّة اليوم أكثر من كوبا و كوريا الشماليّة والصّين، حيث لا قيمة تذكر للإنسان. وما لم يلتزم الشيوعيون بمشروع جديد يمثّل نقلة نوعيّة في التنظير، فإن دورهم سيبقى هامشيا رغم أن ذلك لايمثل نقصا في وطنيتهم بقدر ما هو فشل أيديولوجي. ولكن فيما يخصّ القوميين فالوضع مختلف : فدعايتهم على طريقة السوفيات أنقذتهم من موت أفكار