من المتوقع أن نطرح مجموعة من الأسئلة في هذا الصدد، وهي باختصار:
• لماذا الحديث عن الجمهورية، قرطاج، والجمهورية القرطاجية الآن ؟
• ماهي الدروس التي يجب أن نستخرجها من التاريخ القرطاجي لتونس ؟
• ماهي حدود التحليل للتاريخ القرطاجي مقارنة بالوضع المعاصر ؟
المشكلة الكبرى في دراسة تلك الفترة هي قلة الموارد، خاصة بسبب الدمار الهائل الذي أنزله الرومان بقرطاج إثر الحرب البونية الثالثة التي كان هدفها أن تمسح الحضارة القرطاجية من الوجود تاريخا و جغرافيا. كل ما نعرفه عن قرطاج اليوم هو ما نقله المؤرخون الرومان في كتاباتهم المنحازة إلى روما، و بدرجة أقل ما نقله المؤرخون الإغريق و الذي كان أكثر موضوعية، رغم أن اليونانيين كانوا يعتبرون الشعوب الأخرى مجرد برابرة. رغم كل ذلك تناقل المؤرخون إشارات كثيرة حول عظمة قرطاج خاصة بسبب الحرب البونية الثانية التي أظهرت عبقرية القائد العسكري الشاب حنبعل برقا. فقد أعلن ماركوس پومپونيوس في روما إثر معركة بحيرة ترازيمنوس Trasimene الشهيرة سنة 217 ق.م. بالقول : لقد إنهزمنا في معركة عظيمة! ولمن لا يعرف فقد كانت تلك المعركة قد جمعت قوات حنبعل بالجيش الروماني في عقر داره بل إنه من المهم أن نشير إلى التفوق الإستراتيجي لجيش حنبعل أمام الرومان رغم تفوقهم العددي كما شهدت على ذلك معركة كانيي Cannae سنة 216 ق.م.
منذ سقوط قرطاج المدوي بيد الرومان سنة 146 ق.م. إختفى النظام الجمهوري لتصبح تونس مجرد مستعمرة ثم مملكة ولم يعد مشروع الجمهورية للظهور إلا مع إقتلاع إستقلال البلاد من الفرنسيين. ولكن للأسف الشديد ظلّ الأمر مجرد مشروع مع الإستبداد "النظيف" من طرف بورقيبة و نظيره المافياوي الذي ميز الحكم العائلي في فترة بن علي. باختصار، لم تتمكن تونس من إقامة نظام جمهوري حقيقي طيلة 2157 عاما، و هذه هي العصور المظلمة في السياسة التونسية.
لا يمكن أن نستشف من التجربة الجمهورية القرطاجية كل العبر، فإن كان التاريخ القرطاجي يجعلنا نعتقد أن الكارثة كانت ذات مصدر خارجي، فلابدّ من التعمّق أكثر لفهم تلك المرحلة خاصة مع قلّة المصادر الموضوعية. لكن تجربة الجمهورية التي تزامنت مع أوج المجد و الإقتصاد وربما الثقافة، في هذه المرحلة الفريدة، تجعلنا نفكّرفي إمكانية إرتباط النظام الجمهوري بالتقدم. ربما كانت مواصفات الجمهوريّة الحديثة مختلفة عن تلك المرحلة، وترتبط أساسا بالديمقراطية الحديثة، ولكن الأساس هو المشاركة ورفض الإستبداد، ومن هنا ولد مصطلح الجمهورية Republic من الأصل اللاتيني Res Publica الذي يمكن ترجمته إلى "مسألة شعبية أو عامّة".
الجمهوريّة هي تحويل الدولة من إله متجبّر إلى ملكية عامة يشارك المواطنون في بنائها، و في العصر الحديث توجد آلاف النظريات الممكنة للبناء ممّا يجعل الديمقراطيّة خيارًا لا بديل له. اليوم، ونحن نفكر في إعادة بناء بلادنا بعد سنوات من الإستبداد و النهب، لا بد لنا من نظام يحارب هاتين الآفتين وغيرهما مثل الفساد الإداري و مركزية السياسة و الهيمنة الجهوية وما إلى ذلك، وهذا هو مشروع الجمهورية الذي هو أساس الديمقراطية. وما لم نبن جمهورية ذات مؤسسات رفيعة فلن نبلغ أي مستوى من التحظّر الذي نصبو إليه.
5 أوت 2011
Commentaires