Accéder au contenu principal

أعماق مظلمة ـ 6

ولكن ما فائدة أن أقرأ لها الآن ؟ ألمجرد ذكرى وجودها التي تثير حنينا دافئا إليها، أصبح مطالبا بتحمل رسائلها المحملة بالأناركية والحقد على الحضارة والإنسان ؟ هذا الإلتزام الذي تبديه بكره كل شيء، ونقد كل شيء، وتحطيم كل مبدأ تستكين إليه نفس الإنسان، إلى حد أنني أصبحت أجزم بأن الإنسان الذكي حقا، الصادق مع نفسه حقا، والسوي حقا لن يوجد أبدا : إنه إنسان يعرف ويقر بعبثية كل شيء، ويجد في ذلك سببا للدهشة والإنبهار والإعجاب، ويقدر مع كل هذا أن يعيش حياة سعيدة.
حياة سعيدة في وسط إعصار من العدمية والعبث. أليس هذا هو تعريف الإقتصاد ؟ أليس هذا هو منية المنى للشيوعيين والرأسماليين على السواء ؟
إنها لعبة عجيبة وجدنا أنفسنا فيها. نملأ رؤوسنا بما يقال لنا، نختار من كل الهراء الذي نسمعه ما يناسبنا، نعزل أنفسنا عن من نريد ونلتحم بمن نريد، ونجد في كل ذلك السيل العرمرم من الأشياء ما نحوله لصنم الحياة، وننحت كل حياتنا على شاكلته. وفي الأثناء، نحاول إرضاء الجسد والرغبة والأنا البدائي بما يريد ويشتهي. هذه هي الحياة باختصار. إنه نظام عجيب ولكنه متكامل، أشياء تافهة كثيرة تصنع أسلوبا واضحا، سهلا و ناجعا لقضاء هذه الفسحة القصيرة من الوعي في الإنتاج والإستهلاك. هذا هو تلخيص الحياة لديها.
رميت برسائلها إلى ركن مهمل من أركان غرفتي لأهملها. لست في حاجة إلى المزيد من البؤس في حياتي، لست في حاجة إلى أفكار سوداوية أخرى وخيالات متوحشة ونهايات أليمة. كل ما أنا في حاجة إليه هو القليل من السعادة. وهذه الرسائل تقتل ذلك النزر القليل من السعادة الذي مازلت أمتلكه.
هناك أشياء في هذا العالم، بسيطة وتافهة، ولكنها تغير أفكارنا وحياتنا جذريا. وبين الواقع ووعينا به هناك وسيط هو ذلك الجهاز المعقد الذي هو الإنسان. كانت أفكار عجيبة تراودنا أحيانا حول هذا الموضوع، مثل مدى ما تبدو لنا الأحاسيس كاذبة : كل ما في الأمر هو أننا عبيد الجسد وإفرازاته الهرمونية، التي تعتمد على ردات فعل بدائية. هل نحن نمتلك أصلا أنفسنا ووعينا ؟ كل مزاجيتنا وسعادتنا وتعاستنا مرتبط بعدد محدود من المواد الكيميائية، بعضها إفرازات وبعضها يمكن تناولها كالكحول والنيكوتين والمخدرات. الإنسان هو بطريقة ما نظام سهل الخداع، شديد الحساسية والتعقيد، ويفتقد بشكل كبير للدقة في أدائه لوظائفه.
كيف يمكن إذن أن ننتظر من هذا الكائن أن ينتج نظاما إجتماعيا سليما ؟
مازالت أفكارها تجول في رأسي وأنا بعيد عن رسائلها. مزعجة هي، حتى عندما لا تكون معي.
لماذا كل هذا الحقد والكره الدفين للإنسانية والمجتمع والحضارة برمتها ؟ كنت أفهم وأتفهم الحقد على نظام سياسي أو إقتصادي معين، كنت أتفهم أحيانا حتى الحقد على جماعات إثنية أو دينية معينة، ولكن الحقد على الإنسانية برمتها ؟ الحقد على مفهوم الوجود ذاته ؟ هذا أمر عجيب حقا.
ذات ليلة، بعد أن عدت إلى بيتي لأعيش وحدتي اليومية، مع الكحول والسجائر، وجدت نفسي أفكر فيها.. ككل ليلة. كان صوت العاصفة خارجا وصفير الرياح يتناقض تماما مع دفئ الغرفة وموسيقى البيانو التي كانت ترافق وحدتي. وحملني الدفئ والسكر إلى عالم حيث لا رائحة ولا طعم.. لأجدها تجلس على طاولة مكتبي عارية متربعة، ممسكة بمسدس فولاذي شديد اللمعان. نظرت إلي ونظرت إليها. كان المسدس يقف بيني وبين تأثير جسدها الشبقي عليّ.
وضعت بكل تركيز وبطء رصاصة واحدة في بكرة المسدس، وأدارتها بلمسة سريعة. نظرت إلي وقالت "هل أنت مستعد لتلعب معي الروليت الروسية؟"
نظرت إلى نفسي فوجدتني عاري الصدر. رفعت عيني إليها من جديد لأجد فوهة المسدس العملاق تحدق في عيني اليمنى. وسمعتها تقول : هناك إحتمال واحد من ستة إحتمالات أن تموت الآن، وخمسة إحتمالات متبقية تعني أنك ستموت في أحضاني. فهل أضغط الزناد؟"
أفقت مرتعبا. كان العرق يتصبب باردا من جبيني. أحسست أن فوهة المسدس مازالت تحدق بي وأنا أبحث عن ساعتي.
الثالثة و27 دقيقة.
جلست في فراشي. أخذت سيجارة من العلبة وأشعلتها. ولشدة إضطرابي أشعلت السيجارة بالمقلوب. إشتعل صدري وانتابتني نوبة سعال وحشية. دمعت عيناي من الألم ورائحة مبسم السيجارة المحترق.
بعد دقائق طويلة تمالكت نفسي. إنتهت نوبة السعال المؤلمة. تناولت كأسا من الماء وأردفتها بارتشاف ما تبقى من الويسكي. تذكرت أن الليلة كانت ممطرة، فأصغيت لأكتشف أن العاصفة إنتهت. يجب أن أحاول النوم. غدا يوم عمل طويل آخر.
الرابعة و9 دقائق صباحا. إتخذت قرارا بالخروج إلى الشرفة. من المستحيل أن أعود للنوم بعد ذلك الحلم الرهيب. لأول مرة أجد نفسي في حلم جنسي معها. والأدهى والأمر أن هذا الحلم لم يكن فيه أي متعة، بل كان مثيرا للرعب.
ما معنى هذا الحلم ؟ إن كان لأحلاما فعلا جذور في مشاعرنا المكبوتة، لماذا إقترنت الإستثارة الجنسية بمثل تلك اللعبة المميتة ؟
جلست في الشرفة وأشعلت سيجارة أخرى. إنتبهت طبعا لكي لا أعيد نفس الخطأ وأشعل السيجارة مقلوبة. وطبعا أخذت أفكر فيها. لم يكن لدي أي خيار، فوحدتي وغرابة أطواري وهذا الحلم الغريب يحملونني إليها.

ح. ق. 5 فيفري 2017

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

GNS3 on Manjaro/Arch Linux: How to create virbr0 for NAT to work

Problem: You can't add a NAT connection to your GNS3 simulation, and you get the error : "ERROR template_manager:226 Error while creating node from template: NAT interface virbr0 is missing, please install libvirt" Steps to resolve: 1- Create a file named /tmp/default.xml 2- Paste this content and save: <network>   <name>default</name>   <bridge name="virbr0"/>   <forward mode="nat"/>   <ip address="192.168.123.1" netmask="255.255.255.0">     <dhcp>       <range start="192.168.123.2" end="192.168.123.254"/>     </dhcp>   </ip> </network> 3- Execute the following commands in your shell : virsh net-define /tmp/default.xml sudo virsh net-start default sudo virsh net-autostart default  

GNS3: Simulating a 100% opensource site2site VPN using Wireguard, VyOS and OpenVSwitch

 This is something I had in mind but didn't find the time to accomplish before. It just took a very cold day to convince me that I have to play with Wireguard on VyOS. I used GNS3 of course, on my personal Linux laptop to create this setup. Of course the performance was not that great since it is just a simulation.  In real life, I am using Wireguard on a 10 years old Raspberry Pi Model B and amazingly with just a 700MHz single core ARM CPU and less than 512 MB of RAM I had a decent and stable permanent Wireguard tunnel. (My bandwidth would reach 24 Mbps without issue) Back to my simulation, this is what it looks like : Quick explanation: the VYOS routers labeled IPERF1 and IPERF2 are only used for an iperf3 test, which was able to reach about 50 to 60 Mbps each time. It ain't much but it was honest (and free) secure bandwidth! I won't get into the details of this setup but I will just post the two most important configurations : R-East and R-West : #### VYOS WireGuard Site

Old school tool for news (RSS): NewsFlash

 Being an old school user who was very dependant on RSS feeds to keep me updated on my favourite subjects, I spent a lot of time looking for something that could do this in 2024. Surprisingly, I found a tool called "NewsFlash" which looks like it was tailored exactly for people like me, people who can't live without Slashdot , TheHackerNews and TechCrunch ! I am currently daily-driving Linux Manjaro for more than two years on my personal laptop (while unfortunately I have to work on a Win11 system for my regular job) and, being based on Arch Linux, the cutting edge community-driven Linux distribution, Manjaro is able to provide the latest and greatest opensource (and sometimes proprietary) software via its default repositories. You don't even have to do anything "geeky" to install NewsFlash (or any other package in the repositories) since the Pamac Software Manager is really becoming easy and powerful at the same time! This is NewsFlash, very simple and eas