Accéder au contenu principal

Articles

Affichage des articles du 2015

أعماق مظلمة ـ 3

"تبا." كانت الكلمة الوحيدة التي كنت قادرها على ترديدها لعدة مرات وأنا أفتح الطرد الذي تسلمته للتو : كانت عبارة عن قداحة وعدد من الرسائل المغلقة وقد كتب عليها تاريخ. كانت النادلة قد جمعتها بكل أمانة وكتبت عليها بقلم رصاص تاريخ تسلمها. بحركة لا واعية حاولت إشعال القداحة ولكنها كانت فارغة. أحد عشر رسالة، وقداحة. وصفة كاملة للأرق، خاصة أنني أعرف جيدا أن رسائلها طويلة جدا. "إياك أن تفهم شيئا لا أعنيه مما ستقرأه في رسائلي هذه. أنا لا أغازلك برسائلي هذه، ولو كنت أريد ذلك لفعلت. أنت أكثر من يعرف أنني أعني ما أقوله، وأتمنى أن لا تكون غبيا كغيرك من الرجال." أهو الغرور أم الثقة بالنفس؟ لم أكن أعرف، ولكنني متأكد تماما من أنها كانت بطريقة أو بأخرى قادرة على قول كل ما تريد، ولو توجب ذلك إختراع كلمات جديدة بإحدى اللغات الكثيرة التي تتقنها. "أعرف تماما، ككل النساء اللواتي يملكن دماغا يعمل، أنني أظلمك لو أتوقع منك، كرجل، أن لا تكون غبيا. قليل هم الرجال الذين يستطيعون التفكير أمام شقراء عارية. لست ألومهم على ذلك فالخطأ ليس خطأهم، ولكنني أحتقرهم من أجل هذا الضعف العج

أعماق مظلمة - 2

في الحقيقة، لم أستطع أن أنسى أي شيء عنها. ولكنني مللت مرحلة الصدام مع الناس، مللت مرحلة الجدل والنقاش، مللت رحلة التفكير وسط غيمات من دخان السجائر وموسيقى المقاهي الرخيصة. ولم تكن تعني لي شيئا من الناحية العاطفية المحضة. لم نتجاوز يوما حدود اللباقة ولكنني كنت أعتبرها صديقة فقط. ولكم نحن في حاجة إلى صديقات ! هناك أشياء لا يمكن للصداقة بين الرجال أن تحتملها. هناك صداقة مع الأنثى تكون أعمق وأشد صراحة أحيانا. بعد أكثر من سنة، قررت أن أعود لرؤيتها. كنت أنا الذي غيرت مكان جلوسي، من المقهى العتيق المعتاد إلى غرفتي البائسة، لأتفرغ لنفسي وكتاباتي، كل تلك الكتابات التي كنت أهدر فيها ساعات طويلة، لأكتشف فيما بعد أنني كنت واهما، وأنني لم أكن أكتب بقدر ما كنت أنفعل ضد نفسي. كل تلك الحكايات التي سأسردها لها، وكنت أعرف أنها ستسخر مني طول الوقت. طيلة الأشهر التي مضت منذ آخر لقاء لنا، لم يكن بيننا أي إتصال. وهذا أمر طبيعي لأننا كنا نلتقي هناك في المقهى بدون موعد، دون إتصال هاتفي ونفترق دون أخذ موعد آخر. كنا نعرف جيدا متى وكيف نلتقي، كان الأمر أشبه بالعودة إلى البيت بعد يوم عمل. دخلت المقهى بعد

أعماق مظلمة - 1

لا أحد يعرفني.. ولا حتى أنا أعرفني. أنقاد وراء شخص هو سجني إلى حيث لا رجوع، وأعرف أنني لست سوى الرجل المسلسل المستسلم لما هو عليه. هذا الشخص الذي يعتقدون أنه أنا ليس سوى الوهم الذي يحملونه عني. وهو يجيب بدلا مني لأنه لا صوت لي. بل كل ما هو عليه هو نقيض نفسي. ولا أحد في خضمّ هذه الرحلة المثيرة للسخرية، إستطاع أن ينظر إليّ، وراء ذلك الأنا / الآخر الذي يغلفني. ومازلت أعرف ذلك لأنه لم يسألني أحد بعد حين أبتسم : "لماذا تتألم؟" لأنني أنزف مع كل إبتسامة، ولا أحد ينتبه لذلك. وأعرف أنني سأضحك طويلا، حين أتلقى ضربة قاتلة. إنهم يطلقون علينا أسماء وألقاب، بعضها ذو معنى، ليستطيعوا تمييزنا. هذه الأسماء والألقاب ليست سوى وسوما، مثل تلك التي يستعملها رعاة البقر مع الماشية. لكم نحن قطيع في مخيلة أنفسنا ! لكم نحن منحطون وتافهون في "لاوعينا" الجماعي ! ننظر إلى بعضنا البعض بعين الريبة، ونخاف من بعضنا البعض حالما تغرب الشمس وتنقطع الكهرباء. ونحن بذلك نستريب من أنفسنا، ونخاف من أنفسنا، على مرآة الآخر. أليست الحياة مجرد إنتحار بطيء ؟ أليست السعادة مجرد تعاسة تعبّر عن نفسها ؟ ألي