ربما
كان مجرد حدس، ولكن التطورات التي شهدها
الأمس (الجمعة
24 فيفري)
على
مستوى القضية السورية تجعلني أجزم أن
أحداثا خفية توالت في الأيام الماضية دون
أن ينتبه لها أحد.
سأعدد
في هذا المقال بعض ما أمكننا متابعته على
مستوى الإعلام:
- جانفي : إنهيار العملة الإيرانية إلى النصف.
- فيفري : خطابات متتالية لحسن نصرالله يجدد فيها تأييده المطلق لإيران وسوريا.
- زيارة إسماعيل هنية إلى قطر.
- زيارة إسماعيل هنية إلى إيران.
- التدريب المفترض للبحرية السورية من طرف نظيرتها الإيرانية (في ظرف قياسي : يوم واحد تقريبا)
- دخول الصليب الأحمر الدولي إلى سوريا وإجلاء الصحفيين في حمص.
- مظاهرات غير مسبوقة في سوريا : كل المدن بما في ذلك حلب ودمشق.
- إنسحاب هيئة التنسيق السورية من مؤتمر أصدقاء سوريا.
- مؤتمر "أصدقاء الشعب السوري" بتونس يقترح حلا على الطريقة اليمنية.
- إعلان هنية البارحة مساندته (ومن وراءه حركة حماس) لثورة الشعب السوري.
- تململ المعارضة السورية في أغلبها من الصبغة الإنسانية لمؤتمر تونس ومطالبتها بوضوح بتدخل عسكري.
- نافي بيلاي تقول أن الوقت قد حان لمحاكمة الأسد، أوباما يشير إلى أن الوقت قد حان لإيقاف حمام الدم.
هناك
إرتباط مباشر حينا و غير مباشر أحيانا
بين كل هذه الأحداث، مما يقودنا إلى
الأسئلة التالية :
- كيف إستطاع القطريون ترويض حماس؟ ماهي الصفقة التي عجز الإيرانيون عن المزايدة عليها؟
- ما مدى قدرة إيران على مواصلة تسليح بشار الأسد في ظل العقوبات عليها وعدم وجود منفذ مباشر للأسلحة؟
- إلى أي مدى سيصمد الموقف الروسي مع إقتراب الإنتخابات الرئاسية في روسيا وتزايد غليان المعارضة في موسكو؟
ما
أرجحه شخصيا هو أن الخارجية الأمريكية
أبلغت دولا عدة من بينها قطر والسعودية
بمعلومات إستخبارية ما حول الوضع في
سوريا. فليس
من السهل إقناع حماس في ظرف يوم بتغيير
موقف هي عليه منذ عام، بالإضافة إلى
علاقتها المتميزة بنظام الأسد (ولنذكر
إقامة خالد مشعل في دمشق مثلا)،
ولكنني مع ذلك لا أزعم معرفتي بمثل هذه
المعلومات.
وسواء
أصبت في ذلك أم أخطأت، فإنني على يقين من
أن مثل هذه الأحداث المتزامنة والمثيرة
لا بد أن يكون ورائها سر ما.
فالطلاق
مع شريكين مثل إيران وسوريا ليس أمرا
إعتباطيا، ولا يقدم على مثل هذا العمل
دون ضمان سوى شخص مثل القذافي، وعملية
"تدريب"
البحرية
السورية لا يصدقها أحد.
السبب
الذي يجعلني أعتقد في نظرية "المعلومات
الإستخبارية والصفقة الخليجية"
هو
أن حماس كانت تعتمد على سوريا وحزب الله
في تسليحها (عبر
مصر) ولسنا
في حاجة للتدليل على عمليات حزب الله في
مصر فالكل يتذكر الخلية التابعة له التي
تم إيقافها في سيناء.
ومادام
هنية تخلى عن سوريا فهو إذن يتخلى عن حزب
الله وإيران أيضا، وبالتالي يخسر قوة
مهمة في مواجهته مع إسرائيل.
بالنهاية،
قد يميل البعض إلى التفسير الطائفي للوضع،
أي أن حماس وجدت صيغة ممارسة لها مع دول
سنية بما في ذلك حكومة الإخوان المسلمين
في مصر بما يخرجها من التصنيف العجيب لها
كجزء من الهلال الشيعي مع أنها حركة
إخوانية بالأساس.
ولكنه
غير كاف بالنسبة لحركة فيها الكثير من
أدبيات الإخوان المسلمين (الذين
عادة يفضلون الصمت على فقدان حليف بالكلام)
البراغماتية
في مثل الوضع السياسي الحالي.
لكن
لا يجب أن ننسى أن مفاوضات "تاريخية"
تجري
الآن في القاهرة بين حماس ومنظمة
التحريرالفلسطينية من أجل تشكيل حكومة
وحدة وطنية، ولا يزال الإتفاق فيها بعيد
المنال. لذلك
لا أعتقد أن حماس ستقدم على هذا الموقف
التاريخي وهي تعرف أنه سيضعف موقفها في
المفاوضات.
لا
بد أن أمرا حاسما يبدو حتميا لحماس في
الأيام المقبلة لكي تترك صف سوريا بهذه
البساطة.
الأمر
الأكثر إثارة هو تصلب موقف المعارضين
السوريين :
فإنسحاب
هيئة التنسيق السورية ومطالبة المعارضين
في مظاهرات حاشدة داخل وخارج سوريا بالتدخل
العسكري يكشف عدم إيمانهم بالحل السياسي.
والأكيد
أنهم يعتبرون هذه المبادرة متأخرة جدا،
ولكن هذا لا ينفي أهمية مؤتمر تونس، لأنه
نوع من العرف السياسي الديبلوماسي.
أعتقد
شخصيا أن التخطيط لمؤتمر ثان وثالث قبل
إنتهاء الأول يكشف ـ ولو دون قصد ـ أن
مجموعة الدول المجتمعة في تونس تعرف جيدا
أن الأسد قد بلغ مرحلة اللاعودة ولن يستجيب
للحل على الطريقة اليمنية، فيأتي بعد ذلك
مؤتمران لتصحيح المسار وشرعنة التدخل
العسكري.
طبعا
هناك أمل ضئيل بأن يستسلم الأسد ولكن
أكثرنا واقعية يعرف أن ذلك مستحيل لأن
المشروع الإيراني الذي يدار منذ 30
عاما
سيفشل بسقوط الأسد.
هناك
طرف آخر في المعادلة ينساه كثيرون :
وهو
الجيش السوري الحر.
هذا
الطرف الذي أثبت أنه قادر على مواجهة جيش
الأسد (فهو
يسيطر مثلا على إدلب منذ أسابيع)
أصبح
مخرجا للجنود السوريين.
المتابع
للتطورات العسكرية يلاحظ أن الجيش النظامي
أصبح يكثر من إستعمال الأسلحة الإستراتيجية
وخاصة مدفعية الهاون الكلاسيكية على حساب
الأسلحة التكتيكية مما يعني أنه أصبح
يخشى المواجهة المباشرة مع الجيش الحر.
ليس
لأن الجيش الحر أقوى ولكن لأن هذا الأخير
أصبح يستدرجه إلى حرب عصابات، مما يدفعه
إلى دخول المناطق الحضرية ويهدد أعداده
بالتقلص نتيجة للإنشقاقات وإرتفاع كلفة
حرب العصابات.
لقد
أصبح جيش الأسد يستعمل تكتيكا سوفياتيا
قديما هو "المفوضون
السياسيون"
ويلعب
هذا الدور الآن "شبيحة"
النظام
الذين يؤطرون عمل الجنود وينكلون بأي
منشق، ولكن لا يبدو أن مثل هذه التكتيكات
تكفي.
لقد
ورط الأسد نظامه، وإيران، وحزب الله ونفسه
في مأزق لأن الديكتاتور لا يتعلم بسهولة
من تجارب أمثاله.
منذ
سنة كان الأسد سيد بلاده وكان يستطيع أن
يبدأ حزمة إصلاحات جدية تكفيه شر القتال،
ولكن دعم إيران وحزب الله وفساد الطبقة
الحاكمة جعله ينغمس في القمع لإعتقاده
أن دعمهما قد ينقذه من حتمية تاريخية.
لقد
كان واهما.
والآن
حسن نصرالله في مهب الريح لأن جبن الأسد
قد يدفعه إلى ترك أهل البلاء في البلاء،
وهو ما يحاول أن يقنع نفسه بعكسه في كل
خطاباته منذ تأزم الأوضاع، خاصة خطابيه
الأخيرين الذين يبدوان كحديثه لنفسه.
على
كل، ستكشف لنا الأيام المقبلة، رويدا
رويدا، عن معلومات وتفاصيل أخرى ربما
أعجز عن التفكير فيها الآن.
Commentaires